الأرض
مــدي يديــك من الخلــــود يــــــا بنت معترك الصمــود
يــــــــــــــــــا بنت معترك الإباء و بنت مطّلع الصعـود
ميّاســـــــــة القدّ الصقيل و منبت الفكر الســـــــــــــديـد
الكــاعبُ الحســــناءُ و الأم الحنـــــون علــى الوليـــــــد
يـــــا نفثة المصدور و المكروب فــــي بيت القصيــــــد
يــا الزهرَ ينثر في الربـــــى يــا الوردَ يُنحر في الخدود
جــــودي فـــذا شـــــــأن الكرام و كان شأنك أن تجودي
و لــــــدى القـــــرابين التـــــي قدّمتها ســــفرُ الخلــــود
يجري بهــا قلـــــم العصـور و طــــارف المجد التليــــد
و إذا افتخرت على الدهــــــور كفاك فخر دم الشهيــــــد
****
أي أرض بنت جبيــــل و الأيـــــــــــام تثقل بالقيـــــــود
اســــــــــتطلعي علّ النجـــــــوم تبــــوح بالخبر الجديـد
زمـــر الخيــــــانة لـــــــم يرقها غير مشــــتبك الحديــد
فكأنّهـــــــا من غيّهــــــــــا تخفــــي و تجهر بالوعيـــــد
بالنار تسعرها الســــــما بالأرض تشـــــــقى بالجنـــود
مــــــا فتَّ فـــي عضد الكرام العهر فانتفضي و جـودي
أَوَ يســـــــــــتوي البحـران هذا ملؤه رشـــــح الصديـــد
و البـــارد العـــذب الفــــــرات مبلسـم الروح الشــــرود
قســــــــماً بجبَّـــــارٍ عزيــــــــزٍ قـــــــادرٍ فـــردٍ مريــد
أنّ الذيـــــن ولدتهــــــم أعتـــــــى و أبطش من ثمـــــود
فاعتــــي بأييد مـن حديــــد و ارغمـــــــي أنف اليهـــود
لله درّ رجـــــــــــــالك الأبطــــــــال في البــأس الشديــد
دكّــوا الحصـون علـى الحصـون و أصدقوا أمر الوعود
***
يــــا أرض بنت جبيل يـــا حبَّـــاً تنــــامى فـي الخلــــود
يــــا موطن الثـــوار و الأبـــرار تحـــنو فـــي الجـــدود
جـــودي فـإنك إن تجـــودي فيّـــاضة فـــوق الــوجـــود
بـــالحب و النَّـــغم النبيـــل و بـــالشـــــهادة و الشــــهود
عن الأرض و الشهداء (1)
عطر الصنوبر
..مهداة إلى روح الشهيد بشير علوية
سأحكي
فقد آن آنٌ لنحكي
سأحكي
فقد شبّ صوتٌ عن الطوق يوماً لنحكي
سأحكي
-ألا فاسمعوني-
سأحكي لكم عن حكايا حبيبي
سأختار من زهره زهرةً
ثمَّ أحكي و أحكي و أحكي
***
كعطر الصنوبر كان
و مثل التراب الذي لا يباح
رأيته يوما
يصافح في الأفق نجم الصباح
تمشّى قليلاً
وغنّى عن الأرض والحبِّ أغنيَّةً
ثمَّ راح..
***
و قد كان في ذات يومٍ
يلمّ من البحر ضوء اللآلي
ليصنع عقداً لجيد الوطن
و قد عاد
-مخضوضباً بالدماء-
ليمسح عنّا عناء المحن
***
و هل قد عرفتم
حكايات حبٍّ
غفا قبل أن تكتويه الندوب؟
و ذابت ثلوجٌ
و عاشت مروجٌ
و لكنّ قلبا له لا يذوبُ
و صرنا نرجّي
إياباً لأنّا
فقدناه
لكنّه لا يؤوبُ
***
لأنّ البحار التي لا تجفُّ
ستبكي إلى أن تجفَّ
و أنَّ الغيوم التي صادفته
ستبكي إلى أن تخفَّ
و أنَّ الورود التي شربته
ستحيا إلى أن ترفَّ
فإنَّ البلابل لن تعزف الصبح لحناً
على مسمع الخائنين
و إنّ السهول ستحكي -إلى ألف دهرٍ-
حكايا عن الحبِّ و العشق
أضرمها في السنين
لأنّا عجنّاه في خبزنا مرّة
و أنّا شربناه في مائنا مرّة
سوف لن نرتضي بالهوان
سوف لن نستكين
***
و يا أمّه
لا تلومي التراب
الذي يحتضنه
و لا تتركيه
و يا أمّه دفّئيه
و روّي التراب الذي يحتويه بفيض من الحب لا تتركيه
انت لم تفقديه
أنت لن تفقديه
عن
الأرض والشهداء (2)
مهداة إلى روح الشهيد القائد راني بزي
... وأحكي
لأنّ الحكايا
رسائلُ حبٍّ من الميّتينْ
إلى الخالدين.
وأحكي
لأنّ الذي لاذ بالصمت دهراً
سينطقه الشوق في الصامتين
ءءء
تسير الدروب
وتلوي أعنّة خيل الجنوب
لتمضي إليه
وتغفو قليلاً على راحتَيْه..
وفي مقلتيهِ
رياح غضوب.
وإن الورود التي ودّعته
تتوق إلى وردتين،
كأنهما القِبْلَتَيْن
فلا تسألوه عن الحبّ
ذا حبُّه في السنين..
ولا تحبسوه عن الضوء
ذا ضوءه يستبين.
***
وتروي الفراشات
عن قلبه الغضِّ لوناً
وتروي هواه
وكيف سقى الأرض في ساعة العشق
عشقاً
وألبسها من دماه..
كأنّ الملائكة المنزلين
على مريمٍ
قد أتته..
كأن السماء التي جالها الحقد
ما صادفته..
كأن لم يجلها..
وان النبيين في منتهى الحب جالت سماه كما لم تجلها
***
»ترون الملائكة الرافدين؟
ترون النبيِّين والصالحين؟
ترون الأحبّاء والطيِّبين؟
كأني أراهم«..
وكان يرى كلّ ما لا نراه..
وكان لدى الغيب في الشاهدين
وصار على الله في الوافدين
وأكرمه ربُّه في ذراه..
***
وأسرَى ليبقى بها الميتون
وطيفٌ له رقّ تحت الجفونْ
وقد رقّ قلبٌ
وفاضت عيونْ
وإنا على إثره عابرون
فإن اثقلته الدِما والجراح
فإنّا على إثره عابرون
وإن مزّق الحبَّ حقدٌ الحديد
فلن يهزم الحبّ هذا المجون
***
وعاد الذي لوّن الياسمين
على صهوة البرق عاد
عاد المغذُّ الذي أوقد الحبَّ
في ذروة العشق عاد
عاد إلى الأرض
فاجتاحها بالحياة
وللأرض أسئلةٌ لا تموت..
للأرض إرهاصةٌ في الخفوت
للأرض قلب الأباة
عن الأرض والشهداء(3)
..كما شاءت الأرض
مهداة لروح الشهيد القائد الحاج خالد بزي
.. ونحكي
كما شاءت الأرض
تحت الأفانين عن حبها
وفي غفلة من ضياء القمرْ
وفي هدأة الليل
تطفو حكايا المحبين
فوق البساط المندّى
كما شاءت الأرض
فوق الشفاه الحيارى
وفوق الزَّهَرْ
ء ء ء
رقيقٌ كأنسام صيفٍ
رهيفٌ
كحدٍّ لسيفٍ
أحبَّ السواقي
وكل البلاد التي غازلته
وكل الطيور
وكل النجوم
فهلاّ سألت السماوات أمراً؟
وهلاّ سألت الحصى والمَدَر؟
ء ء ء
له
إن رأيت الشموسَ
الحياة التي تعتريها
فهل تُبصر الحب فيها
هل تبصر الصفو فيها؟
له الماءُ رقراقه مُحْتَضَرْ
له قُبّةُ الأفق
هلاّ شكمتم بنيها
ومن راح في إثرهم أو عَبَر؟
له العادياتُ
له المورياتُ
المغيرات صبحاً
له النصر مؤتلقاً والظَفَر
ًء ء ء
وروّى البلاد التي عشقته
وأوردها وِرْدَه السلسبيل
كأني به شعلةفي الدروب
كأني به دمعة لا تسيل
كأني به شمعة إذ يذوب
كأني به العشق عند الأصيل
كأني به بعض ذاك المطر
ء ء ء
وشيءٌ من الحبِّ فيه
وشيء من العَصف فيهِ،
براكين كل الأماسي،
وكل الأقاصي
وأيام بدرٍ وخيبر
وايات حقٍّ ستظهر
وأمرٌ من النصر أكبر
فهلاّ سألت السهول
وهلاّ سألت الجبال
وهلاّ سألت الرُبى
وهلاّ سألت الشجرْ؟
وهلاّ سألت الهوى
وهلاّ سألت الجَمَال
وهلاّ سألت الدُّنى
وهلاّ سألت القدرْ؟
ًء ء ء
وعيناه بحران لا يبغيان
.. عَذْبان
مثل انبجاس الحَجَر
وعيناه شمسان لا تغرُبان
دليلان للفتح في كل برّ
وفي سدرة المنتهى عاشقٌ
سيتلو حكاياه تِلوَ السور
ء ء ء
.. كما شاءت الأرض
كان المُحبّون،
وفي قلبها
كلُّ تلك الصور
عن الأرض والشهداء(4)
الوداع الأخير
مهداة إلى أرواح شهداء الوعد الصادق الذين ارتفعوا في الحرب الأخيرة
... ونحكي أخيراً
وينحسر الضوء
عن من تبقّى
وهم كل ضوءٍ يسيل
ونبقى
ويرقَون كالراحلين
وما ان أن يُسرجوا للرحيل
ءءء
ستفقدكم خوخة الدار
تفقدكم زهرة الدرب
تفقدكم شتلة التبغ
... والقلبُ
يا أيها الراحلون على صهوة الحب
ما قد تبقّى من الليل
لن يستفيق على غير أوتاركم
فارجعوا
قبل أن ننطوي في الحقول
ءءء
...ويا أيها العابرون مع الريح
في إثركم سوف تمضي
ألوف الحكايا،
مع الصبح
أو في ظلام المسايا..
تعالوا نرش من العطر
فوق الربى والسهول
تعالوا
فلن يكسر الحبَّ رجعُ الأذى المرّ
لن يعتريه الأفول
ءءء
على رسلكم أيها المزمعون
على رسلكم أيها العابرون
على رسلكم
إن هذا الزمان الذي تحملوه سيفنى
ولن يلتوي أو يطول..
على رسلكم إن تلك البلاد التي تزرعوها
ستبقى ولن تنحني أو تزول
ءءء
... تعالوا
فما حالنا إن تركنا
لدى البحر اهاتنا كي تجفَّ
تعالوا نودّعكم
إن للأرض حباً
ولا تترك الأرض حباً
وذا الورد رفَّ
أمدّوا حكاياتنا بالبطولات
والحبِّ
لا تتركونا
فليس لدى الصبر عن يومكم
غير صبرٍ جميلْ
ءءء
ومنّا ومنكم
ومن دمّنا الحرّ
من حبّنا
كان زهر الحقول..
وعنّا وعنكم
وعن عشقِنا الأرضَ
عن عشقِها عشقَنا
سوف تحكي الفصول
ءءء
كتبتم لنا
فوق وجه البلاد:
بلادي وما ليلها بالطويل
شموسٌ وما اذنت بالأفول
خرابٌ ولم تعرف المستحيل
كتبتم لنا فاقرأوا ما كتبتم
وغنّوهُ،
نشتاق كلَّ الحنان
الذي شابَ أصواتكم في السهول
وغنّوه فالورد عاف الذبول
وغنّوه إنّ الأغانيَّ دنياً
يرقُّ بها الحب عند الأصيل
ءءء
ويا أيها الخالدونَ
السماءُ التي تسكنوها
أفاضت علينا من الدفءِ والحبِّ
لا تتركوها
فعمّا قليلٍ سنسري إليكم
فلا تتركوها
ولا تتركونا فعمّا قليلْ..
اتون
فوق سنا البرق اتون
اتون عمّا قليل
الشاعر السيد موسى فضل الله